تقترب الجزائر من توقيع اتفاقيات كبرى مع شركتي «إكسون موبيل» و«شيفرون» الأميركيتين لتطوير مواردها من الغاز الصخري، في مشروع يعد الأول من نوعه بهذا الحجم في البلاد.
فقد أوضح رئيس هيئة المحروقات الوطنية ألنافط، سمير بختي، في تصريحات نقلتها وكالة بلومبرغ أن الجوانب الفنية تم حسمها إلى حد كبير، فيما لا تزال التفاصيل التجارية قيد التفاوض، مرجحا إبرام الصفقة قريبا.
Algeria is close to finalizing a deal with Exxon Mobil and Chevron to tap the North African nation’s vast gas reserves, including shale, for the first time https://t.co/t46uWNfZ6Y
— Bloomberg (@business) August 15, 2025
وتشمل المشاريع تطوير حقول في أحواض أهنت جنوب غربي الجزائر وبركين شرق البلاد، وهي مناطق توجد بها احتياطيات ضخمة من الغاز الصخري القابل للاستغلال.
وتصنف الجزائر كثالث أكبر بلد عالميا من حيث الاحتياطات المؤكدة بعد الصين والأرجنتين، ما يضعها في موقع استراتيجي حاسم، خصوصا مع بحث أوروبا الحثيث عن بدائل لإمدادات الغاز الروسي.
وتمنح شبكة الأنابيب التي تربط الجزائر بإسبانيا وإيطاليا ورقة قوية لتعزيز موقعها كمورد أساسي للطاقة في القارة.
التكسير الهيدروليكي بين الطموح والمخاوف
غير أن الطموح الاقتصادي الكبير يقابله قلق واسع في الأوساط البيئية والمجتمعية، بالنظر إلى أن استغلال الغاز الصخري يعتمد على تقنية التكسير الهيدروليكي. هذه التقنية، التي تقوم على ضخ كميات هائلة من المياه والمواد الكيميائية في باطن الأرض، تطرح عدة إشكالات معقدة في السياق الجزائري.
فأول المخاطر يتمثل في ندرة المياه، إذ يتطلب كل بئر ما بين 10,000 و20,000 متر مكعب من المياه، وهو ما يعتبر تحد خطير في مناطق الصحراء حيث الموارد المائية شحيحة أصلا.
وإلى جانب ذلك، يبرز خطر تلوث المياه الجوفية نتيجة احتمال تسرب المواد الكيميائية المستعملة، ما قد يؤدي إلى تلويث مصادر حيوية للسكان والزراعة.
ولا تتوقف المخاوف عند هذا الحد، إذ تضيف عمليات الحفر والنقل تحديا آخر مرتبطا بـ “الانبعاثات الهوائية”، خصوصا انبعاث الميثان الذي يعد أحد أقوى مسببات الاحتباس الحراري. كما تثير بعض التجارب الدولية قلقا من الهزات الأرضية الصناعية، بعدما أظهرت تجارب في ولايات أميركية مثل أوكلاهوما ارتباط التكسير بزيادة النشاط الزلزالي.
وتظل التجربة الأميركية مثالا بارزا في هذا المجال، حيث أدى الاستغلال الواسع للغاز الصخري إلى طفرة اقتصادية جعلت الولايات المتحدة أكبر منتج عالمي، لكنه في المقابل فجر جدلا بيئيا واسعا واحتجاجات محلية دفعت بعض الولايات إلى حظر هذه التقنية.
جدل بيئي واجتماعي في الأفق
هذه المخاوف ليست جديدة على الجزائريين؛ فقد شهدت مدينة عين صالح في 2015 احتجاجات واسعة تم خلالها رفع شعارات مثل “الماء أهم من الغاز” رفضا لمشاريع مماثلة. واليوم، ومع عودة الملف إلى الواجهة عبر صفقة «إكسون» و«شيفرون»، يرجح أن يتجدد النقاش والجدل حول كلفة المشاريع على البيئة والمجتمع المحلي.
وتحذر منظمات بيئية محلية ودولية من أن العائدات الاقتصادية قد تذهب للدولة والشركات الأجنبية، بينما تتحمل المجتمعات المحلية المخاطر البيئية الناتيجة عن الاستغلال خصوصا في غياب ضمانات الشفافية حول طريقة الاستغلال وانعكاسات ذلك على السكان المحليين في المديين المتوسط والبعيد. وفي المقابل، يرى مؤيدو الاستغلال أن إدخال شركات عالمية قد يضمن تطبيق معايير أعلى للسلامة والحد من الأضرار، شريطة أن تكون هناك شفافية ورقابة صارمة تراعي خصوصية المناطق المتأثرة.
وبين الطموح الاقتصادي والهواجس البيئية، تجد الجزائر نفسها أمام معادلة دقيقة: فصفقة الغاز الصخري قد تمنحها رافعة لتعزيز مكانتها الطاقية عالميا خصوصا بالنسبة لأوروبا، كما قد تحقق مسعاها في طريق كسب ود الولايات المتحدة سياسيا، لكنها قد تفتح أيضا الباب على توترات جديدة مرتبطة بالماء والبيئة والعدالة الاجتماعية.