عبدالكريم العفاني-الرباط | أصدرت وزارة الخارجية الدنماركية مذكرة رسمية موجهة إلى لجنة الشؤون الأوروبية بالبرلمان (KOM (2025) 0446 – Bilag 2 بتاريخ 20 غشت 2025، أعلنت فيها تأييدها لمقترح المفوضية الأوروبية بفتح مفاوضات جديدة مع المغرب لمراجعة اتفاقية التجارة المبرمة عام 2018.
وأكدت المذكرة أن هذه الخطوة تأتي استجابة مباشرة لحكم محكمة العدل الأوروبية الصادر في الرابع من أكتوبر 2024، والذي ألغى إدراج منتجات الصحراء في الاتفاق دون موافقة “شعب الإقليم”.
وشددت كوبنهاغن على أن هذه المراجعة لا تنطوي على أي تبعات قانونية أو اقتصادية أو بيئية أو مالية تذكر بالنسبة للدنمارك، إذ تظل المبادلات التجارية المباشرة مع المغرب محدودة، فيما يندرج الملف أساسا في إطار التزامات الاتحاد الأوروبي الجماعية.
كما لفتت المذكرة إلى أن لجنة المندوبين الدائمين (Coreper) ستناقش المقترح يوم 10 شتنبر المقبل، وهو موعد يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى أن الدنمارك تترأس حاليا مجلس الاتحاد الأوروبي، ما يمنحها موقعا محوريا في توجيه النقاش.

مضمون الوثيقة الدنماركية
تكشف الوثيقة أن مقترح المفوضية يهدف بالأساس إلى مواءمة اتفاقية 2018 مع القانون الدولي وأحكام محكمة العدل الأوروبية، عبر صياغة ملاحق جديدة تتيح استمرار استيراد المنتجات القادمة من الصحراء وفق نفس التعريفات التفضيلية الممنوحة للسلع المغربية القادمة من مناطق أخرى، لكن مع إدخال تعديلات تضمن الامتثال القانوني.
وتشدد الوثيقة على أن أي اتفاق جديد يجب أن يضمن بوضوح أن “سكان الصحراء الغربية لن تفرض عليهم التزامات، بل سيستفيدون من مزايا ملموسة وموثوقة، متناسبة مع استغلال الموارد الطبيعية في الإقليم”. ولأجل ذلك، سيتم “إرساء آلية رقابية دائمة تتيح التحقق بشكل مستمر من طبيعة هذه الاستفادة، بما يعزز عنصر المصداقية في أي ترتيبات مقبلة”.
كما تنص المذكرة على إلزامية وسم المنتجات الزراعية والسمكية المستوردة من الصحراء بعبارة “منشأ الصحراء الغربية” وليس “المغرب”، وذلك التزاما بقرار المحكمة.
ويبرز النص أن هذا التعديل القانوني لا يهدف فقط إلى تدارك الثغرات التي أشار إليها القضاء الأوروبي، بل إلى تجنيب الاتحاد أي طعون مستقبلية تهدد استقرار التبادل التجاري مع المغرب.
وتؤكد الحكومة الدنماركية، في الوثيقة نفسها، أن المفاوضات المزمع إطلاقها ينبغي أن تسير في “انسجام تام مع جهود الأمم المتحدة الرامية لإيجاد حل سياسي يضمن حق تقرير المصير، مع احترام ميثاق الأمم المتحدة”، بما يعكس توازن الاتحاد الأوروبي بين التزامه بالقانون الدولي وحرصه على الحفاظ على شراكته الإستراتيجية مع المغرب.
أما على المستوى الداخلي، فتوضح المذكرة أن المقترح لا يستلزم إدخال أي تغييرات على القوانين الوطنية، ولا يتطلب اعتمادات مالية جديدة، كما أنه لا يتوقع أن تكون له انعكاسات ملموسة على الاقتصاد أو على البيئة داخل الدنمارك. وهو ما يجعل الملف بالنسبة لكوبنهاغن مسألة سياسية-قانونية تخص الاتحاد الأوروبي ككل أكثر مما تمثل تحديا وطنيا مباشرا.
رد وزارة الخارجية الدنماركية على “أطلس إنسايت”
في رد مكتوب على أسئلة أطلس إنسايت، ومن بينها سؤال حول ما إذا كانت كوبنهاغن تعتزم القيام بأي تنسيق أو تواصل مباشر مع الرباط في إطار الإعداد لمراجعة الاتفاقية بحكم رئاستها الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، تجنب مسؤول بوزارة الخارجية الدنماركية، تقديم تفاصيل إضافية عن تقييم بلاده الخاص. واكتفى بالإحالة على البيان المشترك الذي أصدرته رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين والممثل الأعلى للشؤون الخارجية جوزيب بوريل في 4 أكتوبر 2024.
البيان الأوروبي شدد على أن المغرب “شريك أساسي” للاتحاد في ملفات الأمن والهجرة والطاقات المتجددة، وأكد أن بروكسل ستعمل على إيجاد حلول قانونية تحترم أحكام المحكمة الأوروبية مع الحفاظ على استمرارية المبادلات وتعزيز الشراكة مع الرباط.
هذا الرد يعكس بوضوح أن الدنمارك، حتى وهي على رأس مجلس الاتحاد الأوروبي، تفضل الاصطفاف خلف الموقف الجماعي لبروكسل، دون الدخول في ترتيبات ثنائية مباشرة مع المغرب في هذه المرحلة.
أحكام محكمة العدل الأوروبية
ويعود هذا التطور إلى سلسلة من الأحكام التي أصدرتها محكمة العدل الأوروبية في السنوات الأخيرة، والتي اعتبرت أن الاتفاقيات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب لا يمكن تطبيقها تلقائيا على الصحراء من دون موافقة سكانها.
وأكد الحكم الأخير الصادر في أكتوبر 2024 أن هذه الموافقة لم تكن صريحة ولا ضمنية في اتفاقية 2018، ما أدى إلى إلغاء الأساس القانوني لإدراج المنتجات القادمة من المنطقة ضمن التبادلات التفضيلية.
Morocco: Joint Statement by President @vonderleyen and HR/VP @JosepBorrellF on the European Court of Justice judgements relating to Morocco.https://t.co/m7uYKuEgVQ
— European External Action Service – EEAS 🇪🇺 (@eu_eeas) October 4, 2024
وقد وضعت هذه الأحكام المؤسسات الأوروبية أمام معضلة صعبة: من جهة الالتزام الصارم بقرارات المحكمة، ومن جهة أخرى الحفاظ على شراكة حيوية مع المغرب في مجالات استراتيجية تشمل الأمن، مكافحة الهجرة غير النظامية، والطاقات المتجددة. ومن هنا جاء مقترح المفوضية لتعديل الاتفاقية، وهو المقترح الذي تدعمه كوبنهاغن، وتتعامل معه كمسألة أوروبية جماعية ذات حساسية سياسية وقانونية عالية.
[…] رد مكتوب على أسئلة “أطلس إنسايت”، ومن بينها سؤال حول ما إذا […]