نشرت قناة العربية سلسلة من التسريبات الصوتية المنسوبة إلى الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، في أحاديث خاصة جمعته بالرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه، بالإضافة إلى مقاطع أخرى تناولت مواقف عبد الناصر من قادة الجزائر وعلى رأسهم هواري بومدين.
وتكشف هذه التسجيلات —بحسب ما عرضته العربية— عن حجم الخلافات بين القاهرة والجزائر في فترة ما بعد هزيمة يونيو 1967، خصوصا حول الدعم العسكري والمالي ووقف إطلاق النار، والقضية الفلسطينية، ودور الإعلام الجزائري.
الدعم الجزائري بعد 1967
عبد الناصر انتقد بشكل مباشر ما اعتبره غيابا للدعم الجزائري لمصر بعد النكسة حيث قال إن “الجزائر لم تساعد بجنيه واحد”، بينما دعمت السعودية والكويت وليبيا مصر ماليا بعد مؤتمر الخرطوم. وذكر عبد الناصر أن الجزائر ادعت إرسال طائرات، لكن الطائرات التي وصلت “عوضت لاحقا من الاتحاد السوفييتي”. مشيرا في نفس السياق أن الجزائر سحبت كتيبتين من مصر بعد قبول القاهرة وقف إطلاق النار لثلاثة أشهر.
وكرر في أكثر من موضع، قوله:
“إحنا قاتلنا إسرائيل وحدنا.. والجزائريون لم يساعدونا بجنيه واحد.. طلبنا منهم طيارين ما ادووناش ولا واحد”.
الموقف من وقف إطلاق النار
بحسب التسريبات، اعتبرت الجزائر أن قبول وقف إطلاق النار خيانة للأمة العربية ولفلسطين وهو ما رد عليه عبد الناصر :
“إزاي أحرر فلسطين كلها وإحنا من 22 سنة ما قدرنا نعمل شيء؟ إذا أنتم تقدروا تحرروا فلسطين تعالوا.. ييجي الجيش الجزائري يقاتل”.
وأضاف أن “المزايدين لا يحاربون إسرائيل وإنما الأردن”، في إشارة إلى أن الشعارات لم تكن توازي المشاركة الفعلية في القتال.
الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر في تسجيل مسرب: “قلت لهواري بومدين ليه جرايد الجزائر بتكتب علينا إن إحنا بنفتح كباريهات عشان نلهي الناس عن المعركة.. وإن اللي يسمع البيانات المصرية عن المعارك يقول إن إسرائيل قد انتهت.. فرد بومدين: والله إحنا ما بنسيطر على الجرايد”#العربية pic.twitter.com/34oBL7uN9b
— العربية (@AlArabiya) September 28, 2025
الخلاف حول الإعلام الجزائري
وعبر عبد الناصر عن غضبه من الصحافة الجزائرية، قائلا:
“قلت لهواري بومدين ليه جرايد الجزائر بتكتب علينا إن إحنا بنفتح كباريهات عشان ننهي الناس عن المعركة؟ وإن اللي يسمع البيانات المصرية عن المعارك يقول إن إسرائيل قد انتهت”.
ورد بومدين، بحسب عبد الناصر:
“والله إحنا ما بنسيطر على الجرايد”.
كما وصف عبد الناصر الرئيس الجزائري بأنه “رجل كويس”، لكنه انتقد مجموعة عبد العزيز بوتفليقة قائلا:
“بوتفليقة والمجموعة دي من أيام بن بلة شعورهم مش طيب بالنسبة لنا”.
اتهام الجزائر بالتنسيق ضد مصر
كما تحدث عبد الناصر عن ما وصفه بتحالف جزائري–عراقي ضد مصر:
“الجزائر والعراق متفقين ضدنا دلوقتي.. وفيه اتصالات غرضها العمل ضدنا في البلاد العربية والإفريقية وفي كل مكان.. إحنا ناس نضرب كل يوم بالطيران الإسرائيلي.. عيب الواحد يتكلم”.
ذكريات من ثورة الجزائر
استعاد عبد الناصر ذكريات الدعم المصري لثورة الجزائر:
“في ثورة الجزائر جاني أحمد بن بلة وماكنش عندهم بندقية ولا عندهم شيء.. إديناهم كل حاجة.. وبومدين كان طالب هنا ووديناه هناك.. وطلع قال: نقلنا الأسلحة.. عيب إن إحنا نطلب من حد.. لكن الجزائريين لم يساعدونا بجنيه واحد.”
مواقف متصلة
التسريبات تضمنت أيضا إشارات إلى ملفات أخرى، عكست ارتباطها بالجزائر حيث يتساءل عبد الناصر عن سبب اصطفاف الجزائر مع حزب البعث العراقي رغم خصومته مع مصر، قائلا:
“حزب البعث في العراق يعادينا.. ويريد السيطرة على العالم العربي ونحن العقبة أمامه.. طب ليه الجزائر ماشيةمعاهم؟ الموضوع الأساسي هو ليبيا”.
وتحدث الزعيم المصري عن موقع الجزائر البعيد عن جبهة القتال:
“الجزائريون زعلوا لما قلت أنا على جبهة القتال بقاتل إسرائيل وهم بعيد عن ميدان القتال آلاف الكيلومترات.. أنا إيدي في النار وهم إيديهم مش في النار.. وهم زعلوا.. كيف أبرر للناس إني قبلت قرار مجلس الأمن وهمرفضوه؟”.
التوتر مع بومدين بعد 1967
الرئيس الموريتاني الأسبق المختار ولد داداه، الذي يظهر في هذه الأحاديث، روى سبب غضب بومدين من عبد الناصر. وبحسب العربية، فإن بومدين تأثر بالكلام الذي سمعه بأن موقف الجزائر متحمس لأنها بعيدة عن الجبهة.
ورد عبد الناصر على ذلك بمثال عن أحد الطلبة الجزائريين في مصر الذي سأل أنور السادات عن مساعدات الجزائر، ليجيبه:
“مفيش مساعدات.. هم كتيبتين.”
ما أدى إلى مزيد من التوتر مع الجزائر.
بين الثقة والخيبة
رغم اعترافه بشخصية بومدين ووصفه له بأنه “وجه عربي فاضل”، إلا أن عبد الناصر أبدى استياءه من مواقف القيادة الجزائرية في تلك المرحلة، معتبرا أنها جمعت بين المزايدة الإعلامية والابتعاد عن الميدان العسكري الفعلي.
وفقا لما بثته قناة العربية، فإن هذه التسريبات تكشف أن علاقة القاهرة بالجزائر خلال فترة ما بعد هزيمة 1967 كانت متوترة ومعقدة، وأن الخلاف لم يكن فقط في التكتيك العسكري أو الموقف السياسي من إسرائيل، بل تعداه إلى حرب إعلامية واتهامات بـ“المزايدة” و“التنسيق ضد مصر”.
ويظهر من أقوال عبد الناصر أنه كان يرى مصر تتحمل وحدها عبء المواجهة العسكرية المباشرة مع إسرائيل، بينما اكتفت الجزائر —في نظره— بالشعارات، بل وتحالفت مع العراق ضده.