اعتمد مجلس الأمن الدولي، مساء الجمعة، قرارا جديدا حول قضية الصحراء، أكد فيه دعمه الصريح لخطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب منذ عام 2007 باعتبارها “الحل السياسي الأكثر جدية وواقعية ومصداقية”.
القرار، الذي تقدمت به الولايات المتحدة وحظي بدعم فرنسا، نال تأييد 11 عضوا من أصل 15، دون أي اعتراض، فيما امتنعت روسيا، الصين، وباكستان عن التصويت، في موقف أثار تساؤلات حول خلفياته، لا سيما من طرف دولة ترتبط بعلاقات ودية تقليديا مع الرباط.
وجدد القرار ولاية بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المينورسو لمدة عام إضافي، حتى 31 أكتوبر 2026، داعيا جميع الأطراف، بما في ذلك الجزائر وجبهة البوليساريو، إلى الانخراط في مفاوضات “دون شروط مسبقة” تحت إشراف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا.
ورحبت واشنطن بالتصويت، معتبرة أنه “انتصار لمسار سياسي واقعي” يرسخ الحل تحت السيادة المغربية، فيما وصفت فرنسا القرار بأنه “خطوة إلى الأمام نحو تسوية دائمة للنزاع”. أما الجزائر، فاكتفت ببيان مقتضب شددت فيه على “حق تقرير المصير”، بينما أثار امتناع باكستان عن التصويت اهتماما واسعا، باعتباره موقفا يعكس تحولات أعمق في مقاربتها للعلاقات مع المغرب. وقال مندوب باكستان في مجلس الأمن مبررا موقف بلاده قائلا” إن الصيغة المطروحة أدخلت تغييرات جوهرية مقارنة بالقرارات السابقة ولم تعكس بالكامل نهج القرارات السابقة”.
Explanation of Vote by Ambassador Asim Iftikhar Ahmad
Permanent Representative of Pakistan to the UN
On the Resolution on the renewal of the United Nations Mission for the Referendum in Western Sahara (MINURSO)
(31 October)
*******Mr. President,
Pakistan abstained in the vote… pic.twitter.com/Me1Z3Uagp2
— Permanent Mission of Pakistan to the UN (@PakistanUN_NY) November 1, 2025
امتناع باكستان بين التقارب المغربي–الهندي والحسابات الآسيوية
وجاء امتناع باكستان عن التصويت في مجلس الأمن ليكرس تحولا تدريجيا في سياستها الخارجية تجاه المغرب، في وقت تتسارع فيه وتيرة التقارب بين الرباط ونيودلهي.
فمنذ عام 2023، دشنت الرباط ونيودلهي مسار تعاون استراتيجي شامل شمل مجالات الدفاع والطاقة والفوسفات والتكنولوجيا. وقام وزير الدفاع الهندي راجناث سينغ في 22 و23 سبتمبر 2025، بزيارة رسمية إلى المغرب، أشرف خلالها على توقيع اتفاق للتعاون العسكري وتدشين أول مصنع لشركة “Tata Advanced Systems” الهندية لإنتاج المدرعات في إفريقيا وهي خطوة رمزية أكدت دخول الهند إلى الصناعة الدفاعية المغربية.
وقبلها في 21 يونيو 2025، أعلنت وسائل إعلام هندية ومغربية عن زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى الرباط خلال يوليو، لعقد لقاء رسمي مع الملك محمد السادس. لكن السفارة الهندية في المغرب أعلنت في 1 يوليو 2025 تأجيل الزيارة لأسباب “لوجستية ودبلوماسية”، من دون تحديد موعد جديد، مما أبقى الباب مفتوحا أمام زيارة مؤجلة لكنها قائمة سياسيا.
هذا المسار التصاعدي في العلاقات بين الرباط ونيودلهي ترافق مع صمت مغربي ملحوظ خلال التوتر العسكري بين الهند وباكستان في أبريل 2025. فبينما سارعت دول عربية وإسلامية، بينها السعودية وقطر والكويت، إلى الترحيب بوقف إطلاق النار والدعوة إلى التهدئة، لم يصدر عن المغرب أي بيان رسمي في هذا الشأن، سواء من وزارة الخارجية أو من بعثته في الأمم المتحدة. وهو ما تم تفسيره في إسلام آباد على أنه حياد مدروس يعبر عن رغبة المغرب في تجنب الانحياز لخصم حليفه الجديد.
وفي الجانب الاقتصادي، كان لتوسيع الشراكات المغربية الهندية أثر إضافي على الحسابات الباكستانية. ففي مارس 2025، أعلنت مجموعة OCP المغربية عن توسيع تعاونها مع Indian Farmers Fertiliser Cooperative (IFFCO) لإطلاق مشاريع كبرى في ولاية غوجارات الهندية، بهدف تأمين إمدادات الأسمدة للسوق الهندية على المدى الطويل. وهي خطوة اعتبرتها أوساط اقتصادية في باكستان دليلا على أن المغرب بات يمنح الأولوية لتعميق حضوره في السوق الهندية على حساب فرص التعاون مع دول جنوب آسيا الأخرى.
كل هذه العناصر كان لها وزن في تغيير إسلام آباد لهجتها تجاه النزاع، حيث وجدت نفسها أمام معادلة معقدة: التصويت بـ”نعم” كان سيفهم كدعم لبلد يقيم شراكة دفاعية متينة مع الهند، فيما كان التصويت بـ”لا” سيعني مجابهة غير ضرورية مع واشنطن والرباط. لذلك اختارت الامتناع عن التصويت كخيار دبلوماسي وسط، يحافظ على التوازن ويرسل في الوقت نفسه رسالة سياسية دقيقة إلى المغرب مفادها أن التحالفات الجديدة في آسيا لا تمر دون كلفة.
هكذا، يمكن قراءة امتناع باكستان عن التصويت فهو ليس تحفظا على مضمون القرار الأممي بقدر ما هو تعبير محسوب عن توازنات جديدة تشهدها القارة الآسيوية. فالمغرب يكرس موقعه كشريك محوري للهند في إفريقيا والعالم العربي، بينما تراقب باكستان هذه التحولات بحذر، وتختار إرسال إشارات دبلوماسية غير مباشرة تعكس قلقها من التغير الجاري في خرائط التحالفات الإقليمية.

