يكتب الملك الإسباني السابق خوان كارلوس الأول من منفاه في أبوظبي كما لو أنه يدون رسالة إلى وطن غاب عنه طويلا. يقول إنه منح الإسبان الحرية بإرساء الديمقراطية، لكنه لم يكن يوما حرا مثلهم، وأنّ سنوات المنفى كانت امتدادا لصمته الطويل أكثر منها عقوبة.
بعد خمسة أعوام من الغياب، يطل الملك الأب في كتابه الجديد «المصالحة Reconciliación»، الذي ألفه مع الكاتبة الفرنسية لورانس ديبراي وتنشره دار Stock في 5 نوفمبر. ونشرت مجلة Le Point الفرنسية مقتطفات منه بعد لقائها به في إقامته بالإمارات العربية المتحدة.
«منذ ولادتي، لم أكن سيد مصيري»، يقول الرجل الذي جلس على عرش بُني على إرث فرانكو وأثقال التاريخ.
ويتذكر أول رحلاته إلى إسبانيا بالقطار بعد اتفاق والده دون خوان مع الديكتاتور، وأول لقاء جمعه بفرانكو، والعلاقة التي يصفها بأنها أبوية باردة لكنها حاسمة.
حتى اليوم، علي أن أمتثل لرغبات القصر والحكومة. حياتي كانت وما زالت رهينة متطلبات العرش وإسبانيا
ويضيف بحزن لا يخفيه:
منحت الإسبان الحرية بإقامة الديمقراطية، لكنني لم أستطع أن أعيشها. أدرت وجهي نحو الحرية، فإذا هي تنأى عني. أدركت في النهاية أنني لم أكن حرا أبدا
المنفى في أبوظبي
في فصل المنفى، يروي أنه غادر البلاد عام 2020 من دون أن يعلم ابنه وجهته، معتقدا أن الابتعاد لن يستغرق سوى أسابيع:
لم تجبرني حرب ولا محكمة على الرحيل. لكن أمام ضغط الإعلام والحكومة بعد اتهامات لا أساس لها، اخترت الابتعاد حتى لا أثقل على المؤسسة الملكية ولا أضر بابني
ويعترف بأنه لا يحب لقب الملك المتقاعد، بل يفضل الملك الأب.
اقتلاعي من جذوري وعزلتي في خريف العمر جرح عميق. أنا مستسلم، أحمل في صدري شعورا بالخذلان والهجران
ويضيف أنه لا يتمالك نفسه حين يفكر في من لم يعودوا يحسبون له حسابا، وخاصة حين يتذكر إسبانيا، وطنه البعيد القريب.
نصيحة للأميرة ليونور
حين سئل عن نصيحته لحفيدته ووريثة العرش، قال:
«أن تكون واثقة بنفسها، تؤدي واجبها بلطف وكرامة، وتبقى ضامنة لاحترام الدستور.»
ثم يضيف بنبرة رجل أنهكته السنوات:
أعيش بلا أفق ولا يقين بأنني سأعود إلى بلدي. كل شيء اغلق قضائيا، لكن قلبي ما زال مفتوحا على الانتظار
ويتحدث عن جنازته المقبلة وكأنه يتحدث عن عودته:
عندما يحين الوقت، ليفعلوا بي ما يشاؤون. ما أريده الآن هو حياة هادئة، ومصالحة مع ابني، وعودة إلى إسبانيا… إلى بيتي
فيليبي السادس وصوفيا وليتيثيا
يقول خوان كارلوس إن ابنه فيليبي السادس «أدار له ظهره بدافع الواجب»، مضيفا:
«أتفهمه كملك، لكن الأب الذي فيّ يتألم من بروده».
أما عن الملكة صوفيا، فيأسف لأنها لم تزره في منفاه، بينما يقول عن الملكة ليتيثيا إن وجودها «زاد من المسافة داخل العائلة»، ويعترف بـ«سوء تفاهم شخصي» معها.
«كنت ملكا بفضل فرانكو»
يتحدث عن علاقته بالديكتاتور بصراحة نادرة:
أصبحت ملكا بفضله. كنت معجبا بذكائه وحسه السياسي، ولم أسمح لأحد أن ينتقده أمامي
ويروي آخر حديث بينهما:
«أمسك بيدي وقال: “صاحب السمو، احفظ وحدة البلاد”. كانت تلك وصيته الأخيرة، ولم يطلب مني الحفاظ على النظام القديم.»
ويضيف:
«شعرت أنه منحني حرية الإصلاح ما دامت وحدة إسبانيا مصونة. من هنا بدأ التحول الديمقراطي الذي توج بانتخابات 1977 ودستور 1978.»
لماذا الآن؟
«أشعر أنهم يسرقون رواية حياتي. لقد قيل عني الكثير من الأكاذيب والمبالغات. أردت أن أتكلم بنفسي، بصدق، وأضع النقاط فوق الحروف قبل أن تمحى الذاكرة.»
بهذه الكلمات يبرر الملك قراره نشر المذكرات في ذكرى مرور خمسين عاما على صعوده إلى العرش، وكأنه يريد استعادة زمام تاريخه بعدما فلت من يده.
العلاقة مع كورينا لارسن
في فصل آخر، يعترف بعلاقته بـكورينا لارسن:
«كانت علاقة خاطئة أندم عليها بمرارة. أحيانا يعمي الحب الرجال والنساء فلا يرون الواضح.»
ويضيف:
«أضرت بحكمي وحياتي العائلية، ودفعتني إلى قرار الرحيل عن بلدي. لقد شوهت سمعتي في أعين الإسبان، لكن ضعفي كان ضعف إنسان لا ضعف ملك.»
ويقر أيضا بأنه ارتكب خطأ حين قبل مئة مليون دولار من ملك السعودية:
«كانت هدية سخية بين ملكين، ولم أعرف كيف أرفضها. قبلتها بدافع تأمين مستقبل عائلتي وتقاعدي، بعيدا عن الحياة الرسمية الإسبانية».
العنوان: المصالحة – Réconciliation
المؤلف: الملك خوان كارلوس الأول، بالتعاون مع لورانس ديبراي
الناشر: دار Stock الفرنسية
تاريخ الإصدار: 5 نوفمبر 2025 (النسخة الفرنسية) – النسخة الإسبانية تصدر في ديسمبر 2025 عن دار Planeta
عدد الصفحات: 512 صفحة تقريبا

