الخميس, أغسطس 7, 2025
الرئيسيةالمغرب - آسيا‏5G في المغرب…انطلاقة تقنية أم بوابة لصراع النفوذ ؟

‏5G في المغرب…انطلاقة تقنية أم بوابة لصراع النفوذ ؟

في خطوة حاسمة نحو دخول عصر الاتصالات فائقة السرعة، أعلنت الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في المغرب، يوم أمس، عن منح تراخيص استغلال تكنولوجيا الجيل الخامس (5G) لثلاث شركات اتصالات رئيسية في المملكة، وهي: اتصالات المغرب، أورنج المغرب، وإنوي.

وبلغت القيمة الإجمالية لهذه التراخيص حوالي 2.1 مليار درهم (حوالي 210 مليون دولار أميريكي)، موزعة وفقا لحجم النطاق الترددي الممنوح لكل شركة، مع التزامات بتوسيع التغطية لتشمل 85% من السكان في أفق عام 2030، واستثمارات إجمالية تتجاوز 80 مليار درهم ( حوالي 8 مليارات دولار) في  البنية التحتية الرقمية.

لكن في خلفية هذا الإعلان التقني، تلوح معركة أعمق لا تقل أهمية، تتمثل في تحديد هوية المزود التكنولوجي الذي ستوكل إليه مهمة تنفيذ البنية التحتية الفعلية لهذه الشبكات الجديدة وسط تنافس محتدم وغير معلن، بين العملاق الصيني هواوي، الذي يملك حضورا تقنيا واسعا في المغرب منذ سنوات، والموردين الغربيين، وعلى رأسهم نوكيا الفنلندية وإريكسون السويدية.

تاريخيا، اعتمدت شركات الاتصالات المغربية، وعلى رأسها اتصالات المغرب وإنوي، على حلول هواوي لتوسيع شبكاتها من الجيل الثالث والرابع، نظرا لما تقدمه الشركة الصينية من عروض مالية وتقنية مغرية يصعب مجاراتها. وتملك هواوي حاليا موطئ قدم راسخ في البنية التحتية للاتصالات بالمغرب، سواء من خلال تجهيزاتها المنتشرة أو من خلال مكاتبها وفرقها المحلية.

شعار شركة هواوي الصينية
شعار شركة هواوي الصينية

غير أن التحول إلى الجيل الخامس لا يجري داخل مجال تجاري بحت، بل يتقاطع مع حسابات أمنية واستراتيجية متصاعدة، خصوصا في ظل التوترات الجيوسياسية بين الصين من جهة، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى. وفي هذا السياق، أشارت تقارير صحفية دولية، من بينها تحقيق منشور على Afrique Intelligence في فبراير 2025، إلى أن الإدارة الأميركية تنظر بقلق بالغ إلى تنامي حضور هواوي في البنية الرقمية المغربية، معتبرة أن هذا التغلغل قد يتيح للصين منفذا استراتيجيا، يمنحها القدرة على الالتفاف على العقوبات التجارية المفروضة من واشنطن، من خلال الاستفادة من اتفاقية التبادل الحر التي تجمع المغرب والولايات المتحدة.

وبحسب التقرير، فإن المغرب يمثل إحدى الحالات التي تكشف محدودية النفوذ الغربي في توجيه اختيارات شركائه الأفارقة في مجال البنية التحتية الرقمية. فرغم التحذيرات الغربية المستمرة بشأن “المخاطر الأمنية” المرتبطة بتكنولوجيا هواوي، فإن هذه التحذيرات كثيرا ما تواجه بعدم اكتراث فعلي على أرض الواقع، سواء بدافع الكلفة أو الكفاءة التقنية.

أورنج أقرب إلى أوروبا… وإنوي تميل نحو الصين

ومع أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات لم تحدد في بلاغها هوية أي مزود تكنولوجي، إلا أن مسار القرارات السابقة لكل شركة يوفر مؤشرات واضحة. فمن المرجح أن تختار شركة أورنج المغرب، المرتبطة استراتيجيا بشركة أورنج الفرنسية ( تمتلك 49 من رأس المال ) ، أحد الموردين الأوروبيين مثل نوكيا أو إريكسون، حفاظا على انسجامها مع السياسات التقنية والأمنية المعتمدة من قبل الشركة الأم، التي أعلنت منذ سنوات نأيها عن التعاون مع هواوي في أوروبا. في المقابل، لا تزال كل من اتصالات المغرب وإنوي تحتفظان بهوامش أوسع في حرية الاختيار، ومن غير المستبعد أن تستمرا في التعامل مع هواوي، ما لم يتم فرض قيود تنظيمية جديدة من طرف السلطات المغربية أو شركاء دوليين.

ويبقى العامل الحاسم في هذا الملف هو موقع الحكومة المغربية نفسها، التي تحاول الحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع القوى الدولية المتنافسة. بين شراكتها الاستراتيجية مع بكين، والحرص على تعميق روابطها الأمنية والتجارية مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل أي قرار بترجيح كفة مزود دون آخر يتجاوز مجرد المفاضلة التقنية.

الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات
الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات

الاتحاد الأوروبي لمدريد: هواوي مورد عالي الخطورة

وفي سياق متصل، سلط تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز في 25 يوليوز 2025 الضوء على تصاعد التوتر داخل الاتحاد الأوروبي بشأن التعاون مع شركة هواوي، بعد أن وقعت الحكومة الإسبانية عقدا بقيمة 12 مليون يورو مع الشركة الصينية لتزويد وزارة الداخلية بمعدات تخزين رقمية خاصة بتسجيلات التنصت القضائي التي تنفذها أجهزة الأمن والمخابرات.

ورغم أن هذا العقد لا يتعلق مباشرة بتكنولوجيا الجيل الخامس، فإن المفوضية الأوروبية اعتبرته مناقضا لتوصياتها التي تدعو الدول الأعضاء إلى تقليص الاعتماد على “الموردين عاليي المخاطر”، وفي مقدمتهم هواوي وZTE، ضمن ما يعرف بـ”صندوق أدوات 5G” الذي يهدف إلى تحصين الأمن السيبراني الأوروبي.

الخطوة الإسبانية أثارت قلقا في واشنطن أيضا، حيث دعا عضوان بارزان في الكونغرس الأميركي إلى مراجعة اتفاقيات تبادل المعلومات الاستخباراتية مع مدريد، محذرين من أن استمرار التعامل مع هواوي يهدد خصوصية البيانات المشتركة مع الحلفاء. في المقابل، نفت وزارة الداخلية الإسبانية وجود أي مخاطر أمنية، مؤكدة أن العقد احترم المعايير الوطنية والأوروبية، فيما شددت هواوي على أن أجهزتها لا تتيح لها أي وصول إلى البيانات، وأنها تلتزم بشكل صارم بالتشريعات المحلية.

التوتر بين مدريد وبروكسل في هذا الملف يبرز مجددا أن التعاون مع الشركات الصينية، حتى خارج نطاق الجيل الخامس، قد يتحول إلى قضية جيوسياسية حساسة، ويضع خيارات الدول، ومنها المغرب، تحت مجهر الشركاء الغربيين في المجالات ذات الطابع السيادي.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات