أثار العدد الأخير من مجلة Le Point الفرنسية، الصادر في 14 عشت 2025، موجة واسعة من الجدل في الجزائر، بعدما خصص ملفه الرئيسي لمنطقة القبائل تحت عنوان: «القبائل.. شعب واقف».
الملف الذي يتضمن خمس صفحات، حاول رسم صورة شاملة عن واقع المنطقة، وأظهر ما اعتبره نضال الأمازيغ للحفاظ على هويتهم الثقافية في مواجهة سياسات الدولة الجزائرية. كما توقف عند حضور الجالية القبائلية في فرنسا وما تلعبه من أدوار في مجالات الفن والرياضة والسياسة، قبل أن يفتح المجال لمقابلات مع شخصيات بارزة مثل المعارض سعيد سعدي.
ولم يقتصر الملف على المقاربة الاجتماعية والسياسية، بل شمل أيضا قراءات فكرية؛ إذ قدم الكاتب كمال داود صورة “مختلفة” عن القبائلي المعاصر، واصفا إياه بالمنفتح على قيم حديثة ، تعارض مع ما وصفه “النموذج التقليدي” السائد. وقدم داود ثنائيات تعكس اختلاف هذا المكون مقارنة مع محيطه مثل “قبائلي/إسلام” و”قبائلي/انفصال”، وهو ما فهمه كثيرون في الجزائر على أنه إعادة إنتاج لسرديات قديمة حول “الاستثناء القبائلي”، لطالما استخدمت في الماضي كأداة لتقسيم المجتمع.
غضب وانتقادات جزائرية حادة
الانتقادات في الجزائر تعددت، وجاءت من مثقفين وصحافيين إلى جانب أصوات في وسائل الإعلام البديلة ومنصات التواصل. الكاتب سمير يحياوي في تقرير لصحيفة القدس العربي هاجم الطرح الفرنسي قائلا: «أنا قبائلي، لكن ليس باسمي»، معتبرا أن تصوير المنطقة ككيان منفصل هو “سم بطيء” يهدد الوحدة الوطنية.
من جهته اعتبر الروائي بشير مفتي أن ما نشرته Le Point يعيد إنتاج خطاب استعماري قديم ميز بين “عرب إرهابيين” و”قبائل أوروبية”، مذكرا بأن القبائل كانت في طليعة الكفاح التحرري. أما الصحافي أحمد تازير فوصف الملف بـ”المغالطة”، بينما شدد الكاتب عبد الرحيم مساور على أن كل مكونات المجتمع الجزائري، من قبائل وعرب وشاوية ومزابيين، موحدة تاريخيا ولن تسمح بإعادة إنتاج خطاب الانقسام.
مواقف جديدة من الإعلام والمنصات الرقمية
صحيفة Le Matin d’Algérie المعارضة نشرت أكثر من تعليق، منها مقال لكمال مدني بعنوان «Faut-il s’excuser d’être Kabyle »، دعا فيه إلى قراءة هادئة بعيدا عن ردود الفعل العاطفية، مؤكدا أن المشكلة ليست في تنوع الهويات بل في العجز عن إدارتها. وفي مقال آخر، كتب سفيان عياش متسائلا: « Et si Kamel Daoud avait raison»، حيث رأى أن الجدل يكشف عمق الصعوبة الجزائرية في تقبل التعدد الثقافي بوصفه ثروة لا تهديدا.
من جهته، نشر موقع JazairHope ردا مطولا بعنوان: «Le mythe kabyle a déjà été démonté par les historiens»، انتقد فيه بشدة الطريقة التي عالجت بها Le Point الموضوع، معتبرا أنها تعيد إنتاج خطاب فرنسي قديم هدفه إظهار القبائل كمرآة لفرنسا في مواجهة باقي الجزائر. المقال استشهد بأعمال مؤرخين فرنسيين مثل باتريسيا لورسان التي فككت ما سمته “الأسطورة القبائلية”.
أما على منصات التواصل الاجتماعي، فقد جاءت ردود فعل أكثر حدة. صفحة Siwel نشرت تعليقا وصفت فيه سياسة الدولة الجزائرية بأنها “إبادة ثقافية ممنهجة” ضد الأمازيغ، فيما ذهبت صفحة Tamurt إلى الدعوة لاستخدام كل الوسائل السياسية والدبلوماسية لـ”تحرير” القبائل.
سياق يزيد الحساسية
الملف الفرنسي جاء ليعيد إلى الواجهة ذاكرة مشحونة. فمنطقة القبائل ارتبطت منذ عقود بأحداث مفصلية مثل “الربيع الأمازيغي” عام 1980، الذي شهد احتجاجات واسعة تطالب بالاعتراف باللغة الأمازيغية وحقوق الهوية، و”الربيع الأسود” عام 2001 الذي اندلع إثر مقتل الشاب ماسينيسا كيرماه وأسفر عن سقوط أكثر من 120 قتيلا وانتهى بإصلاحات أبرزها الاعتراف بالأمازيغية كلغة وطنية ورسمية وسحب قوات الدرك من المنطقة.
كما أن بروز حركة “ماك” المطالبة بالحكم الذاتي ثم الاستقلال، والتي صنفتها السلطات الجزائرية تنظيما إرهابيا عام 2021، جعل أي تناول خارجي لـ”خصوصية القبائل” موضوعا حساسا للغاية، خصوصا وأن نشاط الحركة يتركز بالأساس فوق التراب الفرنسي.
وبالنسبة للجزائر الرسمية، لا ينظر إلى ملف Le Point كمجرد عمل صحفي أو استقصائي، بل كجزء من سردية سياسية تستعيد إرثا استعماريا هدفه التشكيك في وحدة البلاد.
وفي ظل التصعيد المتواصل بين البلدين على خلفية اعتراف باريس بمغربية الصحراء ، لا يتوانى الإعلام الجزائري بدوره في اتهام باريس بشن حملة ممنهجة لتشويه الجزائر وتصوريها على أنها بلاد منغلقة تمنع حرية التعبير، خصوصا بعد سجن الكاتب بوعلام صنصال بسبب أفكاره، وتوجيه اتهامات التجسس للصحفي الفرنسي كريستوف غليز.
فرنسا تسعى إلى التفرقة بين أبناء الشعب الواحد ، لا ننتظر منها خيرا أبدا ، استعمرتنا وقتلت خيرة شبابنا ونهبت ثرواتنا وأكيد أنها لازالت ترغب في العودة يوما