الخميس, أكتوبر 23, 2025
الرئيسيةتقاريرجيوسياسية جيل Z: احتجاجات المغرب في سياق عالمي متحول

جيوسياسية جيل Z: احتجاجات المغرب في سياق عالمي متحول

يفرض جيل Z، المولود بين منتصف التسعينيات وبداية العقد الثاني من الألفية، نفسه اليوم كلاعب جديد في الساحة السياسية والاجتماعية عالميا. ليس فقط ككتلة ديموغرافية صاعدة، بل كقوة ضغط حقيقية تستعمل أدوات مختلفة عن الأجيال السابقة من المنصات الرقمية والمحتوى الساخر والسرعة في التعبئة، وتجاوز الوسائط التقليدية من أحزاب ونقابات.

من هونغ كونغ وسانتياغو، إلى باريس ، وصولا إلى الرباط والدار البيضاء، يتكرر نفس  المشهد تقريبا: شباب يملؤون الشارع، يطالبون بإصلاحات، ويعيدون رسم علاقة الدولة بالمجتمع.

جيل Z كلاعب عالمي

يعد جيل Z أول جيل ولد في عالم رقمي خالص؛ لم يعرف حياة بلا إنترنت أو هواتف ذكية ويتنقل بسهولة بين الواقع المادي والفضاء الافتراضي، ويعتبر المجال الرقمي ساحة طبيعية للتعبير السياسي.

لم ينشأ هذا الجيل في كنف الأشكال التقليدية للتنظيم والتأطير من أحزاب أو نقابات أو تنسيقيات، ولا يعترف بسلطتها الرمزية أو بقدرتها على تمثيله. بل يفضل خلق حركيته داخل الفضاءات الرقمية، مستفيدا من أدوات التعبئة التي توفرها الشبكات الاجتماعية، من الهاشتاغات إلى اللايفات وحلقات النقاش الافتراضية.

ومن أبرز سمات هذا الجيل اعتماده الواسع على الميمز والرموز الساخرة كوسيلة للتحدي والانتقاد، حيث يعيد من خلالها إنتاج خطاب سياسي غير مؤطر تقليديا، لكنه يلقى صدى واسعا.

هذه المواد البصرية والفيديوهات المنتجة والتي تتناول مختلف الجوانب الاجتماعية والاقتصادية تنتشر بسرعة كبيرة، ما يجعل من الصعب على السلطات التحكم فيها أو احتوائها بالأساليب المعتادة.

تجارب دولية: من الاحتجاج الافتراضي إلى النزول إلى الشارع

شهد العالم خلال العقدين الأخيرين موجات احتجاجية متتالية، لعب الشباب فيها دورا محوريا، سواء في تحريك الشارع أو في فرض أجندات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة. وتختلف هذه التحركات من حيث السياق والشدة، لكنها تكشف عن ملامح مشتركة أبرزها حضور جيل Z كقوة جماهيرية منظمة رقميا، وسرعة قدرته على تحويل المطالب الجزئية إلى قضايا وطنية كبرى.

ففي نيبال، اندلعت خلال الأشهر الأخيرة احتجاجات شبابية بدأت بمطالب اجتماعية واقتصادية مباشرة، لكن سرعان ما تحولت إلى مواجهات واسعة أفضت إلى حالة من الفوضى السياسية والاضطراب الأمني. هذا المثال يعكس كيف يمكن أن تتطور المطالب البسيطة بسرعة، خاصة عندما تفشل السلطات في احتواء أسبابها وتقديم أجوبة شافية لمطالبها.

وفي هونغ كونغ، شكل مشروع قانون تسليم المطلوبين إلى الصين الشرارة الأولى لحراك شبابي غير مسبوق. شكل طلاب الجامعات والمدارس الطليعة في المظاهرات التي استمرت أشهرا، وتجاوزت في أهدافها الطابع القانوني لتتحول إلى معركة هوية ومصير سياسي. وقد رسخ هذا الحراك صورة جيل جديد قادر على تحدي قوة اقتصادية وسياسية كبرى، وفرض نفسه كفاعل رئيسي في المعادلة.

وفي تشيلي، كان ارتفاع طفيف في أسعار تذاكر النقل العمومي كافيا لإشعال حركة احتجاجية شبابية واسعة. هذه الحركة سرعان ما اكتسبت زخما اجتماعيا وشعبيا هائلا، دفعت الدولة إلى مراجعة عقدها الاجتماعي برمته عبر فتح نقاش دستوري شامل.

ويبرز المثال التشيلي كيف أن قضايا معيشية تبدو ثانوية يمكن أن تتحول إلى مدخل لإعادة تشكيل البنية السياسية والقانونية للدولة.

وفي قلب أوروبا، واجهت حكومة إيمانويل ماكرون موجة احتجاجات كبرى قادها الشباب والطلاب ضد إصلاحات نظام التقاعد. ورغم أن النقابات لعبت دورا تقليديا في التعبئة، فإن حضور جيل Z أعطى زخما خاصا للاحتجاجات، سواء عبر المشاركة المباشرة في المظاهرات أو عبر حملات رقمية منظمة، جعلت صوتهم مسموعا في الداخل والخارج. هذه التجربة أظهرت أن الجيل الجديد لم يعد يكتفي بدور ثانوي، بل أصبح لاعبا أساسيا في صياغة المشهد السياسي الأوروبي.

هذه النماذج من نيبال وهونغ كونغ وتشيلي وفرنسا تكشف عن خيط مشترك، قوامه جيل شاب يرفض الانتظار أو الصبر على بطء الإصلاحات، ويستخدم أدوات جديدة للتعبئة، خاصة الرقمية منها لفرض مطالبه بسرعة. كما أنها تؤكد أن أي دولة مهما كان موقعها أو نظامها السياسي ليست محصنة من انفجار اجتماعي تقوده الفئات الشابة متى التقت لحظة الغضب مع انسداد قنوات الوساطة التقليدية.

المغرب على خط الاحتجاجات

عرف المغرب في تاريخه القريب موجات احتجاجية شبابية متعاقبة لعل أبرزها كانت حركة 20 فبراير سنة 2011، واحتجاجات الحسيمة ما بين 2016 و2017، ثم جرادة في 2018. غير أن ما يميز سنة 2025 هو دخول جيل Z على خط الشارع، بكتلة أوسع، وخطاب رقمي مختلف، وإيقاع أسرع من سابقاته.

انصبت المطالب المباشرة على قضايا المعيشة اليومية، من ارتفاع الأسعار إلى صعوبات الشغل وضعف آفاق الاندماج الاجتماعي. غير أن جوهرها يكشف أزمة أعمق، تتمثل في  أزمة ثقة متنامية في مؤسسات الوساطة السياسية التقليدية. وقد أفضت صور الاحتجاجات التي انتشرت على نطاق واسع خلال الأيام الأخيرة إلى زعزعة صورة الاستقرار التي سعى المغرب لترسيخها على مدى العقدين الماضيين باعتباره استثناء في محيط مغاربي وعربي مضطرب. وهو ما يطرح السؤال بحدة: هل هذا الاستقرار متين فعلا أم أنه هش وقابل للاهتزاز؟

كما أظهرت هذه الاحتجاجات محدودية البرامج الحكومية في مواجهة تحديات البطالة والتعليم وغياب آفاق الارتقاء الاجتماعي. أما تعامل السلطات فجمع بين محاولات الاستيعاب والإجراءات الأمنية، إلى جانب مراقبة مشددة لوسائل التعبئة الرقمية. غير أن طبيعة هذا الجيل وقدرته السريعة على التكيف تجعل من أدوات الضبط التقليدية رهانا أكثر كلفة وتعقيدا على المستويين السياسي والاجتماعي.

احتجاج ببعد جيوسياسي

شهد المغرب خلال العقدين الأخيرين طفرة ملحوظة جعلته محط أنظار القوى الكبرى، حيث تمكن من ترسيخ موقعه كفاعل رئيسي في جنوب المتوسط وإفريقيا.

ولاقت المبادرات التي أطلقها إشادة واسعة ودعما دوليا، عززتها إنجازاته الرياضية وعلى رأسها بلوغ نصف نهائي كأس العالم، ثم نيله شرف استضافة مونديال 2030 إلى جانب إسبانيا والبرتغال. وقد انعكس ذلك على صورة المغرب كوجهة منفتحة وديناميكية، خاصة مع الارتفاع المهم في أعداد السياح وتزايد المؤشرات الإيجابية في مسار التنمية.

وتعتبر أوروبا والولايات المتحدة المغرب شريكا استراتيجيا في ملفات الطاقة والهجرة ومكافحة الإرهاب، وهو ما منح المملكة مكانة متقدمة في محيطها الجيوسياسي. غير أن موجة الاحتجاجات الأخيرة وما قد يترتب عنها من تداعيات تطرح تحديا حقيقيا لهذه الصورة، إذ قد تثير تساؤلات حول مدى قدرة الحكومة على الاستجابة لمطالب اجتماعية ملحة، وهو ما قد ينعكس مستقبلا على استقرار المناخ الاستثماري وعلى مكانة المغرب كشريك موثوق في أعين حلفائه.

ويبدو أن تلك الصورة الإيجابية بدأت تتعرض للتصدع بعد انتشار مشاهد التوقيفات والاعتقالات التي طالت عددا من الناشطين، والتي جرت في أغلبها أمام عدسات المصورين. فقد سارعت كبريات وكالات الأنباء والقنوات الدولية إلى بث تلك الصور، كما جرى تداولها على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، لتضع المغرب في واجهة الاهتمام الإعلامي العالمي.

ويخشى أن يؤدي استمرار هذه الاحتجاجات، وما قد يصاحبها من تدخلات أمنية ومواجهات مع المتظاهرين، إلى انعكاسات سلبية على صورة المملكة، خصوصا في ما يتعلق بتنبيهات السفر التي تصدرها بعض الدول المصدرة للسياح، والتي لا تتردد في تحذير مواطنيها من زيارة بلدان تشهد توترات مماثلة.

جيل Z يرسل إشارة واضحة مفادها أن الاستقرار لم يعد يقاس فقط بغياب الحرب أو الإرهاب، بل أيضا بقدرة الدولة على توفير عدالة اجتماعية، وإشراك الشباب في صياغة السياسات. هذه المعادلة الجديدة تفرض نفسها على النقاشات الدبلوماسية والاستراتيجية حول المغرب.

إن جيوسياسية جيل Z في المغرب جزء من مشهد عالمي متحول. من هونغ كونغ إلى الدار البيضاء، يعيد هذا الجيل تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بين الداخل والخارج. بالنسبة للمغرب، التحدي أكبر: كيف يحافظ على صورته كشريك استراتيجي دولي، وفي الوقت نفسه يستجيب لمطالب جيل يرفض الانتظار؟

جيل Z ليس مجرد عابر سياسي؛ إنه فاعل جيوسياسي جديد، عابر للحدود، يفرض نفسه على طاولة النقاشات من الرباط إلى بروكسيل وواشنطن.

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

احدث التعليقات